أرض العجائب و الخيانات البطولية (3) / سيدي علي بلعمش

ثلاثاء, 03/10/2020 - 11:29

حين تشير في "مر الكرام" على فساد أو تقصير أي مسؤول (غير مسؤول) عاث فسادا و طغيانا في هذا البلد المنهك، لا بد أن ينبري لك جاهل، يزبد بالحمق والبذاءة ، لا يفرق بين التجريح و التشريح، يرغمك على وضع الحروف على النقاط، من دون أن يدرك أنه أكبر عدو لمن يدافع عنه و أسوأ محب له :

لأسباب سأكتفي بالقول بأنها كانت غامضة (باعتبار أننا أبرياء و أنه فوق الاتهام)، قام العقيد مولاي ولد بوخريص (و باستطاعة أي منكم أن يسأل أي عسكري في عهد قيادته للأركان)، ببيع جل سيارات العسكر المُصَلَّحة (Reformées) لأقارب له و لآخرين (للتمويه و المغالطة)، من بينهم لمشعشع . و يعرف الجميع أن يوم مغادرته لقيادة الأركان، كان جيشنا في حالة يرثى لها . و من يراجع لائحة الضباط الذين تم تسريحهم في عهده و يعود إلى تكوينهم و المدارس العسكرية التي تخرجوا منها و الدورات العسكرية التي شاركوا فيها و تميزهم بين أقرانهم ، لا بد أن يفهم أن ولد بوخريص لم يكن بريئا و أن مهمته كانت بكل وضوح ، تهدف إلى تدمير جيشنا . و حين نسأل لماذا؟ لن نحتاج إلى أكثر من سؤال بسيط : من هو مولاي ولد بوخريص؟

و حتى لا أكون مباشرا أكثر من اللازم أو أقل من المطلوب ، سيكون ردي على هذا السؤال من خلال الدائرة التي أحاط بها نفسه في عملية تدميره لأهم مؤسسة في البلد و أقلها تحملا لمثل هذه الممارسات غير السوية:

ـ شركة ميتشيبيشي : ممثلها الحصري في موريتانيا محمد ولد أجولي (أركيبات) و هو شريك للعقيد مولاي ولد بوخريص مع حصة للعقيد إبراهيم ولد علي انجاي ( أمه أركيبية) :

ـ أتكلم هنا، عن ضباط تحولوا إلى رجال أعمال (تحت العلم) . و هذا عمل يجرمه القانون و ترفضه الأخلاق .. و عن قائد أركان يدمر جيش بلد لبناء ثروته في خيانة عظمى بكل تجلياتها.

ـ أتكلم هنا، عن قرابات ستُظهِر علاقتها الاجتماعية خطورة ممارساتها داخل مؤسسة شديدة الحساسية (و من غرائب المنطق في موريتانيا أن تكون ممارسة القبلية أمرا عاديا في الواقع و يكون الحديث عنها هو ما يوصف بالقبلية). و ليس سرا أن قبيلة أركيبات (الموريتانية، الأصيلة) من أكبر القبائل المشكلة للجمهورية العربية الصحراوية . و هذا أمر لا يمكن تجاهله ، لا سيما إذا وجد ما يثيره مثل ما فعل ولد بوخريص . و بعيدا عن رأيي و رأي غيري ، لا يمكن لأي بلد أن يخاطر بتعيين قائد عام لجيشه في حالة مماثلة (مع نكران ذلك طبعا و تجاهله و حتى تفنيده : تلك إكراهات واقع لا حل لها).

ـ و في ما يشبه الرشوة الذكية ، أشترى ولد بوخريص ـ بعد أن باع كل سيارات الجيش العسكرية (في مزاد غير علني)ـ سيارات مدنية رباعية الدفع ، عالية الرفاهية، من شركته (ميتسوبيشي) لقادة الولايات العسكرية و الوحدات و سيارات أصغر بكميات هائلة لكبار الضباط و باصات نقل للجنود من نفس الشركة.

ـ تفرعت من ممثلية ميتسوبيشي وكالة لبيع قطع الغيار ، ظلت المهيمن الحصري على خدمات الجيش . و فيما ظلت كل طلبات الجيش الأكثر إلحاحا تقابل بالروتين القاتل ، كان التوقيع على إصلاح و تأهيل أي سيارة ميتسوبيشي غاية (في نفس يعقوب) ، لا تقبل التأجيل.

ـ و تفرعت عن شركة ميتسوبيشي (في عملية استنزاف لا غبار عليها) ، شركة متخصصة في أعمال الهندسة المدنية ، مديرها ولد أواه (أركيبات) ، تعاقدت مع الجيش في حفر الآبار و السدود و بناء و ترميم الجسور و كل أعمال الهندسة المدنية.

ـ قبل وصوله إلى قيادة الأركان، كانت عند محمودي ولد بوخريص (أركيبات / الأخ الأصغر للعقيد مولاي) وكالة سفريات (Sorci)، على وشك الإفلاس. و بعد تعيينه، حَوَّل لها المكتب الرابع (بقيادة الأركان)كل عمليات ترانزيت الجيش و تذاكر العسكريين و كل الخدمات العسكرية ذات الصلة ، لتصبح بين عشية و ضحاها أهم وكالة سفريات في البلد.

ـ و في جريمة مماثلة لبيع السيارات العسكرية المصلحة (reformées) للأقارب و المعارف (و من غير المفهوم شراء مدنيين لسيارات عسكرية بهذا الكم الهائل و من غير المفهوم أكثر أن لا نراها في حركة السير؟)، قام مولاي ولد بوخريص ببيع جل الثكنات العسكرية (في وقت تحتاج فيه بلادنا إلى مضاعفة عدد جنودها عدة مرات) : لم يكن أي من هذا مفهوما لمن يعطي نفسه حق الاشتباه في ما يثير الشبهة!!

ـ و لن أتكلم هنا عن الضريبة على رواتب العسكريين (ITS) التي لم تَدخُل قط لخزينة الدولة و لا تغذية الجنود (البائسين) التي دأب جميع قادة الجيش على اقتطاع أكثر من ثلثيها و لا عن العبث المستمر بميزانية تسيير الجيش و الملابس العسكرية و شراء التجهيزات و نهب المحروقات و صندوق الاستخبارات العسكرية ، لكن الغريب أن مولاي الذي أمضى عشر سنين في الوظيفة، لم يكتف بهذا الدخل الهائل الذي لم يكن أعدل الناس في تسييره !؟

ـ و في واقعة مشهورة (سنة 1999) ، استدعى العقيد مولاي ولد بوخريص النقيب عبد الله ولد سيد آمين (ضابط إشارة) ، في مكتبه. و عند دخول الأخير في مكتب قائد الأركان، وجد معه مجموعة من بوليساريو و معهم ملازم أول يدعى الخليل (من الدرك الوطني). كانت المجموعة تتابع عرضا عسكريا لقوات البوليساريو في مكتب القائد العام للقوات المسلحة . و عند انتهاء العرض طلب ولد بوخريص من النقيب عبد الله ولد سيد آمين أن يرافق جماعة البوليساريو و يرى ما سيقدمون له من سلاح الإشارة ليشتروه منهم (مخزن في مكان ما من العاصمة نواكشوط!؟).

ذهب النقيب (مستغربا مما يحدث) مع جماعة البوليساريو و رأى ما عندهم و عاد إلى قائده و أخبره أن ما رآه عبارة عن أجهزة إرسال مستخدمة ، رديئة و متهالكة لا تصلح لشيء، معرضا عن الموافقة على شرائها. قام ولد بوخريص فورا بنقله من مصلحة المشتريات و أمر خلفه الجديد بشراء الكمية . نفذ الأخير أوامر القائد العام بالحرف و وضعت الكمية في مخزن للقيادة العامة و ظلت فيه لفترة طويلة (لأنها غير صالحة للاستعمال) حتى تم رميها بعد فترة. هذه القصة يعرفها كثيرون بكل تفاصيلها، لكن، لأننا في موريتانيا ، فهي مجرد بطولة لا يهم من هو بطلها و لا على حساب من، ما دامت مدموغة بطابع "صنع في موريتانيا" .

ما يهمنا اليوم، هو أن يفهم النظام الموريتاني أن هذا التسامح المستهتر لا يمكن أن يستمر و أن جميع المسؤولين اليوم متهمين حتى تثبت براءتهم : كل الجرائم التي حيكت ضد موريتانيا في منظمة نهر السنغال كانت في أزمنةِ تَوَلِّي موريتانيين لإدارتها؟ و لا يمكن أن نسكت عن هذه الجرائم مهما كانت قدسية سريتها، ما لم تقم السلطة بواجبها الكامل و ما لم نشعر في أعماق أنفسنا أننا أمام سلطة مؤتمنة على مصلحة البلد و سمعته، لا تهادن فيها و لا تساوم و لا تجامل و لا تتسامح مثقال ذرة.