الأزمة المغاربية المزمنة...أسبابها وبعض السبل لحلحلتها

ثلاثاء, 02/14/2017 - 16:28

إن الأزمة السائدة في المغرب العربي حاليا والتي تثير قلق حملة الهم العام من النخب المغاربية،ليست آتية من فراغ،بل تتنزل في سياقات متداخلة مأزومة، وهذه الأزمة مرتبطة ومتأثرة:

1- بسياق دولي موتور يتسم بتغول -إسرائيل-وتواطؤ الغرب معها  وغباء وتهور الإدارة الأمريكية الحالية ،       و استبداد وتسلط معظم الأنظمة القائمة في الشرق الأوسط. ورغبة التمدد والهيمنة الإيرانية والتركية وما أفضى إليه ذلك من تناقضات دينية ومواجهات طائفية أدت إلى تفكيك النسيج الاجتماعي في العديد من دول المنطقة.

2- سياق عربي مضطرب تلوح في آفاقه أزمة اقتصادية متفاقمة وتمزقه حروب أهلية وبينية .ويتهدد سلامته وأمنه ارهاب ماحق ناجم عن اديولوجيات ظلامية ماضوية، تحرص بعض أنظمة المنطقة على تبنيها والتمسك بها وإعادة إنتاجها والسعي إلى تصديرها إلى الخارج وتسويقها  و تسويغها فيه.

3-سياق ساحلي صحراوي، أدى فساد أنظمته السياسية إلى انتشار الفقر المدقع واستفحال التخلف بكل مظاهره.ماشكل أرضية ملائمة لقيام عصابات إجرامية تمتهن العنف والإرهاب بدعوى الجهاد ونشر الإسلام.

4- سياق مغاربي مكبل ومعطل نتيجة لما ميز جل الأنظمة السياسية التي عرفها من تخاذل وانعدام أية رغبة حقيقية في العمل المشترك من أجل إقامة وتفعيل كيان منسجم،متكامل وموحد.

وهذا السياق هو الذي يسائلنا اليوم ويشكل مصدر قلق وانزعاج وإحباط بالنسبة لنا ولكل النخب المغاربية التي تحمل الهم العام،بل وبالنسبة للشعوب المغاربية بكاملها.

ولا يجافي الصواب من قال إن السياق المغاربي يعاني اليوم من أزمة مستحكمة ومتعددة الأبعاد،تطال الصعد الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والمؤسسية الثقافية وغيرها.

ومن ثم فإن السعي إلى حلها وتخطيها لا بد أن يمس كل هذه الجوانب.

والحال أننا إذا أمعنا التفكير في كل جانب من هذه الجوانب على حدة،ألفينا أنه:

أ‌- على الصعيد السياسي، لاوجود لأي تعاون أو تشاور أوتنسيق أو تكامل بين الدول المغاربية.

بل ثمة تنافر وتدابر ومكايدة بين أنظمة هذه الدول.

ب- على الصعيد الاقتصادي: لا وجود لتبادل تجاري ذي بال بين الأقطار المغاربية. فالتسهيلات الجمركية معدومة والتجارة البينية مفقودة وحرية تنقل الأشخاص والبضائع والرساميل مقيدة بالحواجز الجمركية والتعقيدات الإدارية وفرض التأشيرات وإغلاق الحدود وعرقلة الاستثمارات في الفضاء المغاربي في وجه الفاعلين الاقتصاديين المغاربيين.

ج- على الصعيد المؤسسي، غياب وجود مؤسسات مغاربية تقوم على التعاون وتشبيك الجهود والعمل الجماعي الهادف إلى توطيد الشراكة المثمرة.

د- على الصعيد الثقافي والفكري غياب تواصل ثقافي وعلمي ممنهج،وانعدام أقطاب جامعية مغاربية لتطوير البحث العلمي المشترك. ومايزيد الطين بلة هو ظهور تيارات إديولوجية ذات طابع عرقي ونزعة انفصالية تدعو إلى شرذمة المجتمعات المغاربية وتعمل على بث الكراهية وإذكاء النعرات على أسس إثنية وفئوية وجهوية.

واللافت للنظر أن الأنظمة والنخب المثقفة من ذوي البقية،لم تواجه بالصرامة المطلوبة والحزم اللازم وروح المسؤلية الضرورية.هذه التيارات الهدامة التي تمثل طابورا خامسا يتوسله إعداء الكيان المغاربي لتفكيك مكونات شعوبه وزرع العداوة بينها  . وصولا إلى عرقلة انطلاقه ككيان منسجم ومتماسك وذي تنافسية على الصعيد الدولي.

وبالإضافة إلى كل هذه العوامل المثبطة،ثمة عامل آخر بالغ الأهمية وشديد التأثير،ولا أمل،حسب رأيي،في بناء وتطوير وتفعيل المغرب العربي طلما ظل قائما،ألا وهو معضلة الصحراء المغربية.

فلا سبيل، فيما أرى، إلى قيام عمل سياسي مشترك ولا شراكة اقتصادية مثمرة ولا تكامل إعلامي وثقافي ومؤسسي فعال،ولا تواصل اجتماعي شامل،ما لم تجد اشكالية الصحراء الغربية حلا ترضاه كل الأطراف المعنية بها من قريب أو من بعيد.

ومن ثم فقد باتت هذه القضية عقبة كأداة في وجه بناء فضاء المغرب العربي الذي يشكل غيابه كسبا ضائعا هائلا لكل شعوب المنطقة،بل للبلدان العربية الأخرى وبلدان الساحل الإفريقي.

ولذا فإنه أضحى من الضروري والملح،بذل كل الجهود الممكنة وتعبئة كل الوسائل المتاحة من أجل الوصول  إلى حل مرضي لكل أطراف هذه القضية.

وأعتقد أن حلحلة هذه المعضلة تكمن في إيجاد سبيل للتوفيق بين:

أ‌- إصرار المغرب على التمسك بالصحراء الغربية باعتبارها أرضا مغربية لا يمكن التنازل عنها.

وهذه القناعة راسخة ليس فقط عند الساسة المغاربة بل عند النخب المغربية بمختلف أطيافها.

ب‌- إصرار البوليساريو ومعه جزء من الشعب الصحراوي على تنظيم استفتاء حول تقرير مصير الشعب الصحراوي وممارسة حقه في الإختياربين البقاء في إطار الدولة المغربية أو الاستقلال عنها.

ج-  دعم الدولة الجزائرية القوي والمستمر لتصميم  لبوليساريو  ومن معه من الصحراويين على ممارسة ما يرونه حقا لهم في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة على كامل التراب الصحراوي.

د-  رغبة موريتانيا الأكيدة في الإسهام الفعال في البحث الجاد عن حلحلة للقضية الصحراوية تحوز على رضى كل الأطراف ،وتراعي مصالحها.مع تمسك موريتانيا بحياد إيجابي يجعلها تقف على نفس المسافة من الأطراف الثلاثة  : المغرب والجزائر والبوليساريو.

ولقد أظهرت التجربة أن أطراف النزاع حول إشكالية الصحراء الغربية لم يوفقوا على مدى العقود الخمسة الماضية،في التوصل إلى حل توافقي ينهي هذا النزاع بما يسمح للمغرب العربي أن يصبح كيانا فعالا له تأثير حقيقي على الصعيد الإقليمي والدولي.

ولهذا كله، فإنه،ربما،قد بات من الوجيه بل من الواجب أن تدخل على الخط النخب السياسية والثقافية والجمعوية المغاربية من اتحادات للكتاب والصحفيين والمحامين والفنانين،ومن نقابات وجمعيات ورابطات ووداديات وغيرها من منظمات المجتمع المدني والشركاء الاجتماعيين والفاعلين الاقتصاديين وغيرهم،

وذلك من أجل تكثيف التواصل وتضافر الجهود وصولا إلى بلورة تصورات ورؤى وسيناريوهات،من شأنها أن تكسر الجمود وتتخطى الانسداد القائمين،سعيا إلى خلق ديناميكية تتيح قطع خطوات على طريق التفاهم والتلاقي.وذلك من خلال إنضاج مقاربات تتيح للفرقاء تقديم تنازلات متبادلة وإبداء تفاهمات محفزة ،وإظهار مرونة مشجعة حول مبدأي تقرير المصير والاستقلال الداخلي والبقاء ضمن الكيان المغربي وصولا إلى صيغ أخرى أكثر شمولية و  إدماجا،  مثل فكرة قيام فدرالية أو كونفديرالية تضم المغرب وكيانا صحراويا  يتم الاتفاق على تحديد ملامحه وقيامه.

كما يمكن التفكير كذلك في قيام  كيان مشترك يضم المغرب والجزائر والصحراء الغربية وموريتانيا،يتم التوافق على ملامحه وطبيعته.  ويمكن أيضا  التفكير في إقامة مؤسسات  اقتصادية مشتركة  بين بلدان المنطقة  .على أن تتحول هذه الشراكة إلى قطب اقتصادي يمكنه بدوره إقامة شراكة مع أوروبا وأمريكا وغيرها من البلدان الأخرى .

كما أن بالإمكان أن يصار ايضا ،وبشكل موازي ،إلى إنشاء قوة عسكرية مشتركة يكون هدفها محاربة الإرهاب والجريمة المنظمة والتطرف بكل أشكاله في منطقتي المغرب العربي والساحل الصحراوي.

هذه بعض الرؤى والأفكار الخام التي يمكن إثراءها وإنضاجها وتعميقها سعيا إلى إخراج هذه الإشكالية من الشرنقة التي ظلت عالقة داخلها لعقود عديدة دون أن تظهر أية نهاية للنفق الذي يكتنفها.

ذلك أن إيجاد حل لقضية الصحراء الغربية  هو الممر الإجباري نحو خروج المغرب العربي من البيات الشتوي الذي يغط فيه منذ أن تم إنشاءه. وهو السبيل القويم كذلك لكسب الرهانات المرتبطة بتفعيل المغرب العربي الذي هو مناط آمال الشعوب المغاربية بكالها.

نواكشوط 13 فبراير 2017

الدكتور/ محمد الأمين ولد الكتاب