فقيه موريتاني: أصحاب مذهب "مالك" خالفوا الكتـاب والسنة

سبت, 04/03/2021 - 16:36

المالكية في موريتانيا

مذهب فقهي؟ أم مكذب فقهي؟ أم مكب فقهي؟

 

بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة السلام على محمد خاتم النبيين, وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهديه إلى يوم الدين.

وبعد, فهذه ملاحظات أو تنبيهات أو تحذيرات.. أو قل إنها نصيحة، ولأنه لا وقت لديك ولا وقت لدي، فدعونا ندخل في الموضوع دون مقدمات.

لا شك أنك -مثلي – تعلم أن الإمام مالك بن أنس رحمه الله، إمام من أجل أئمة الإسلام وعلم من أعلام السنة ومرجع من مراجع الأمة.

وما كنت لتجهل أعزك الله، أن مذهبه من أوسع المذاهب الفقهية وأكثرها مرونة وانتشارا…

لكن ما لا تعلمه ربما، هو أن المالكية في هذا المنكب البرزخي قد ابتليت بالابتعاد عن الأصول، والأخذ والاستدلال بأقوال الرجال وقياس الفروع على الفروع، فنتج عن ذلك ترك السنن الصحاح وانعكست الآية، فأصبح الدليل بحاجة إلى قول يسنده من الفروع، وهذا لعمري عكس القضية.

ومعنى هذا الكلام أن من المالكية من تمسك بأقوال رجع عنها مالك قبل وفاته، ومنهم من تمسك بأقوال وروايات مكذوبة على الإمام مالك، وهو منها بريء براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، ومنهم من تمسك باجتهادات أخطأ فيها الإمام مالك، وما كل مجتهد مصيب.

ونحن إذ نقدم لك هذه الشذرات، فليس ذلك للنيل من مكانة المذهب ولا من مكانة الإمام مالك رحمه الله، وإنما لنقول لك إن فروع المذاهب عموما – والمذهب المالكي خاصة – مليئة بأقوال غير صحيحة وأحكام غير مؤصلة، وفيها أمور مصادمة لنصوص قطعية الدلالة والثبوت، وهو أمر ملائم لطبيعة الأشياء فالعصمة لا تكون إلا لنبي، والحجة والعبرة إنما هي بالكتاب والسنة، فلا ينبغي لمسلم تأتيه السنة فيخالف متمسكا بأقوال لا أزمة لها ولا خطم…

واني- إن شاء الله – مقدم إليك في هذا المقام وفي هذا المقال، نماذج من مخالفات مشهور المذهب المالكي للنص الصحيح الصريح، نماذج قليلة لكنها دالة رامزة لماحة، ودعونا نبدأ بالصلاة.

 

1ـ سنن الصلاة

ما من شك في أن الصلاة هي عماد الدين، وهي أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم كما في الصحيح من حديث مالك ابن الحويرث ( صلوا كما رأيتموني أصلي)

ثم صلى بآلاف من الصحابة نقلها عنهم الآلاف من التابعين، صلاة محمدية لا يختلف عليها اثنان، مكونة من أقوال وأفعال مخصوصة، منها ما هو أركان ومنها ما هو سنن، وكل من الصلاة.

ثم حذر وأنذر من يخالف أمره فقال كما في الصحيح من حديث عائشة (من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد)

لكن أصحابنا تركوا من الصلاة المحمدية، ست سنن ثابتة في الصحاح والسنن والمسانيد بل جعلوها مكروهات منها مثلا:

– دعاء الاستفتاح

ـ التأمين جهرا بعد الفاتحة

ـ التسليمة الثانية

ـ وضع اليمين على الشمال

ـ الرفع للركوع

ـ الرفع للاستواء من الركوع

ـ الرفع للقيام من التشهد الأول

كل ذلك من المكروهات أو المتروكا ت في مشهور مذهب مالك.

(وكرهوا بسملة تعوذا)

 

2ـ سجود التلاوة

يقول أصحاب مشهور مذهب مالك إنه لا سجود في المفصل، ولا في السجدة الثانية من سورة الحج، وعليه درج خليل بقوله (….بشرط الصلاة لا ثانية الحج والانشقاق والقلم..)

والواقع أن النبي صلى الله عليه وسلم سجد في النجم والانشقاق والقلم، كما في الصحيح من حديث ابن مسعود وابن عباس وأبي هريرة، فترك السجود في المفصل خلاف السنة.

وسجد عمر وابنه عبد الله في الحج سجدتين، وثبت عن عمر قوله إنها فضلت بسجدتين، نقل ذلك الدارقطني والحاكم وغيرهما من حديث عبد الله ابن ثعلبة.

وعجبا لهم يقولون: لا سجود في المفصل، ويقول ابن نافع ومطرف كما عند القرطبي وغيره (كان مالك يسجد في خاصة نفسه في خاتمة هذه السورة) أي سورةالعلق، وابن وهب يراها من عزائم السجود، فتأمل قولهم (في خاصة نفسه)

ثم إن اشتراط الطهارة لسجود التلاوة غير مسلم، ففي البخاري عن ابن عمر أنه كان يسجد على غير طهارة، وذكره ابن المنذر عن الشعبي وغيره.

 

3ـ القصر في السفر

لقد شُرع القصر وكما هو معلوم في السنة الرابعة للهجرة وهو في الكتاب والسنة، وقد اختلف فيه العلماء فمن قائل بالوجوب, ومن قائل بسنيته ومنهم من قال هو مباح ولكل دليله.

ويقول أصحابنا إن من دخل بلدا له فيه زوجة قد بنى بها يتم، وهو كلام باطل لأنه مؤسس على حديث باطل لا يلتفت إليه أحد من أهل النهى، وهو (أن عثمان صلى أربعا بمنى فسئل في ذلك فقال يا أيها الناس إني قد تأهلت بمكة وإني سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: إذا تأهل الرجل ببلد صلى به صلاة مقيم)

فكيف يقيد أو يخصص محكم الكتاب وصحيح السنة بالضعيف والموضوع؟

 

4ـ راتبة الفجر

زعم أصحابنا أن راتبة الفجر إنما تصلى بالفاتحة وحدها وهو خلاف السنة، فعند مسلم وغيره من حديث أبى هريرة, أنه عليه الصلاة والسلام قرأ في ركعتي الفجر بالكافرون والصمد.

وفي مسلم من حديث ابن عباس أنه عليه الصلاة والسلام قرأ في الأولى من سورة البقرة: (قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ … إلى قوله: مُسْلِمُونَ).

وفي الثانية من آل عمران (فَلَمَّا أَحَسَّ عِيسَى مِنْهُمُ الْكُفْرَ …إلى قوله: مُسْلِمُونَ).

 

5ـ سجود الشكر

ثبت في الصحيح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان إذا أتاه أمر يسر به سجد شكرا لله، وسجد أبو بكر لما جاءه قتل مسيلمة، وسجد كعب ابن مالك لما نزلت توبته، وسجد علي لما وجد ذا الثدية بين قتلى الخوارج.. ومع ذلك فسجود الشكر مكروه في المذهب المالكي!

 

6ـ تحية المسجد يوم الجمعة

ثبت في الصحيح من حديث جابر قال (دخل رجل يوم الجمعة ورسول الله صلى الله عليه وسلم يخطب فقال: صليت؟ قال: لا قال: فصلي ركعتين)

وفي رواية (إذا جاء حدكم يوم الجمعة وقد خرج الإمام فليصلي ركعتين)

فالأمر بتحية المسجد والإمام على المنبر يوم الجمعة، ثابت عن النبي صلى الله عليه وسلم ومع ذلك فهو من مكروهات المذهب!

 

7ـ الكلام أثناء الوضوء

يرى أصحابنا كراهة الكلام بغير ذكر الله أثناء الوضوء، وهو كلام باطل لأنه مؤسس على حديث ابن البيلماني، وهو حديث لايعرج عليه أحد من أهل النهى.

 

8ـ التيمم

لقد شرع لنا ربنا جل في علاه التيمم رخصة ولطفا بهذه الأمة، والواجب في التيمم إنما هو مسح الوجه والكفين فقط بضربة واحدة، هذا هو الذي عليه المحققون من الأئمة، وهو الذي يسنده الدليل، لأن النبي صلوات الله و سلامه عليه هو المبين عن ربه، ففي الذكر الحكيم يقول الباري جل في علاه (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم)

وقد بين المعصوم صلوات الله وسلامه عليه صفة التيمم بالنقل الصحيح الصريح، فليس فيه مسح المرافق وهو ضربة واحدة، لكن أصحاب فروع المذهب قد ضيقوا الواسع وعسروا على الناس، أخذا بمقايسات وتفريعات ما أنزل الله بها من سلطان.

قال الحافظ بن حجر في الفتح – كتاب التيمم (…إن الأحاديث الواردة في صفة التيمم لم يصح منها سوى حديث أبي جهيم و حديث عمار وما عداهما فضعيف أو مختلف في رفعه ووقفه والراجح عدم رفعه…

وأما ما استدل به من اشتراط بلوغ المسح إلى المرفقين من أن ذلك مشترط في الوضوء فجوابه أنه قياس في مقابلة النص وهو فاسد الاعتبار، ومعارض بقياس آخر وهو الإطلاق في آية السرقة… ولا حاجة لذلك مع وجود النص…

ومما يقوي رواية الصحيحين في الاقتصار على الوجه والكفين، كون عمار كان يفتي بعد النبي صلى الله عليه و سلم بذلك، وراوي الحديث أعرف بالمراد به من غيره ولاسيما الصحابي المجتهد.

 

9ـ الشك في الحدث

يقول صلوات الله وسلامه عليه كما في الصحيح (إذا كان أحدكم في صلاة فلا ينصرف حتى يسمع صوتا أو يجد ريحا)

بمعنى أن مجرد الشك لا ينقض الوضوء في صحيح السنة، لكنه ناقض للوضوء في مشهور المذهب!

 

10ـ قراءة الفاتحة في صلاة الجنازة

لا فاتحة في صلاة الجنازة عند أهل المذهب وهذا خطأ مبين، فقراءة الفاتحة في صلاة الجنازة سنة وحق.

وقد جهر بالفاتحة في صلاة الجنازة عبد الله ابن عباس فلما سئل في ذلك قال: (أردت أن أعلم الناس السنة) وهذا له حكم الرفع، وهو عند البخاري وغيره من حديث طلحة ابن عبد الله بن عوف.

وعجبا له كيف يشترط فيها الطهارة واستقبال القبلة وستر العورة، ويبدؤها بتكبيرة الإحرام ويخرج منها بالسلام ومع ذلك يقول ليست فيها فاتحة!

 

11ـ وصلى عليه غير فاضل

وقالوا بعدم صلاة أهل الفضل على أهل الكبائر، وهو كلام باطل ليس عليه دليل شرعي من كتاب أو سنة أو إجماع، وأهل المعاصي والذنوب أولى بالصلاة عليهم لأنها دعاء واستغفار.

ثم من هو الفاضل؟

 

12ـ أين يقف المصلي؟

معلوم أن السنة الصحيحة الصريحة هي أن يقف الإمام عند وسط المرأة ومنكب الرجل.

وما ذهبوا إليه من أنه العكس، من نحو قولهم:

وقابل الإمام منكب المره

ووسط المرء وزد تأخره..

كلام باطل مخالف لما في الصحيحين من حديث سمرة ابن جندب ولما في الصحيح كذلك من حديث أنس..

 

13ـ الصلاة على الجنازة في المسجد

وقالوا بكراهة الصلاة على الجنازة في المسجد وليس هذا بصحيح، فالصلاة على الجنازة في المسجد جائزة لما في الصحيح، من حديث عائشة قالت رضي الله عنها: (ما صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم على سهيل بن بيضاء إلا في جوف المسجد).

 

14ـ الحائض والجنب

يرى أصحابنا منع الحائض والجنب من الدخول على الميت وتغسيله، وعليه درج خليل بقوله (وتجنب حائض وجنب له) ونقله الحطاب عن ابن وهب.

وهو كلام ظاهر السقوط، فالنبي صلوات الله وسلامه عليه يقول لعائشة في حديث الخمرة الثابت في الصحيح: (إن حيضتك ليست في يديك)

 

15ـ دفن المرأة

يقول أصحابنا لا يدخل المرأة في قبرها إلا ذو محرم وهو كلام باطل، ففي الصحيح أنه لما توفيت رقية بنت النبي صلى الله عليه وسلم وأرادوا دفنها قال ( هل منكم من رجل لم يقارف الليلة؟ قال أبو طلحة: أنا قال فانزل. فنزل في قبرها)

فأنت ترى أنه لم يشترط المحرمية، وإنما الطهارة من الحدث الأكبر.

 

16ـ الزكاة

اعلم أيها العزيز أنه من الخطأ ما دأب عليه بعض فقهاء مشهور المذهب المالكي من تقليص جيوب الزكاة وحصرها في نطاق ضيق، جامدين على أقوال وأدلة واهية من نحو (لا زكاة في مال حتى يحول عليه الحول)

فهذا الحديث مرسل وهو والحالة هذه غير صالح للاحتجاج، وقد ظهرت في هذا الزمان مستجدات اقتصادية ومالية لم تكن معروفة عند السلف وظهرت مهن لها إيرادات معتبرة.

لذلك فنحن نقول وبالله التوفيق: إن كل من استفاد مالا عن طريق الهبة أو الإرث أو السمسرة أو الصداق أو الراتب أو الأجرة… وكان مستغرقا للنصاب وهو حوالي 85 غرام من متوسط الذهب ففيه الزكاة ولا ينتظر الحول.

وهذا هو الصحيح وهو المنقول عن كثير من الصحابة والتابعين…

وكذلك الأسهم والسندات (Titres et Actions) فلها حكم عروض التجارة فزكاتها عند الحول 2.5%والزكاة إنما تكون في قيمة السند.

وننبه إلى أن في كل ما أخرجت الأرض زكاة، على الصحيح من أقوال أهل العلم، ما لم يكن حطبا أو حشيشا.

 

17ـ صيام الست من شوال

قال صلى الله عليه وسلم (من صام رمضان وستا من شوال فقد صام الدهر)

كما عند مسلم وغيره من حديث أبي أيوب.

فقال أصحابنا بكراهة صيام هذه الأيام، مستدلين بأنه ربما ظن وجوبها.

قال الشوكاني:(وهو باطل لا يليق بعاقل، فضلا عن عالم نصب مثله في مقابلة السنة الصحيحة الصريحة، فإن قيل إن مالكا يحتج بكونه لم ير أحدا من أهل العلم يصومها قلنا: فهل رأى مالك جميع أهل العلم؟ ثم إذا ترك الناس السنة فهل يكون هذا دليلا على الكراهة …؟

 

18ـ الأيام البيض

ورغب صلوات الله وسلامه عليه في صوم الأيام البيض، كما في الصحيح من حديث أبي هريرة وأبي ذر وغيرهما، فقال المالكية بالكراهة!

 

19ـ الكفارة الكبرى والقضاء

بين صلوات الله وسلامه عليه أن من أفطر ناسيا فصومه صحيح (وإنما أطعمه الله وسقاه) وأن الكفارة الكبرى إنما هي لمن أفطر في رمضان بجماع كما في الصحيح من حديث الأعرابي، فعسر أصحابنا وضيقوا وخالفوا سنة المعصوم صلوات الله وسلامه عليه, فقالوا: كل من أفطر ناسيا فعليه القضاء.

وعمموا الكفارة الكبرى لكل مفطر معتمدين ما يسمونه تنقيح المناط.

وكل ذلك من التجاوز والغلو والإفراط.

 

20ـ الحج

يقولون إن وجوب الحج إنما هو على التراخي، وإن من حج بالحرام فحجه صحيح، وهو كلام باطل لأنه مؤسس على أدلة واهية، فالقول بأن النبي صلى الله عليه وسلم حج على التراخي لأن الحج كان مفروضا سنة ست للهجرة كلام غير صحيح، ذلك أن قوله تعالى (وأتـموا الحج والعمرة لله) وإن نزل في غزوة الحديبية سنة ست، إلا أنه لا يعني الوجوب ابتداء، وإنما وجوب الإتمام لمن أحرم بحج أو عمرة.

ثم إن وفود ضمام ابن ثعلبة على النبي صلى الله عليه وسلم في المدينة، لم يكن سنة خمس كما زعم الواقدي، وإنما سنة تسع كما ذكره ابن هشام ورجحه ابن حجر وغيره، فوجوب الحج بدأ بنزول آية الحج في سورة آل عمران وكان ذلك سنة تسع، وما كان النبي صلى الله عليه وسلم ليحج هذه السنة لانشغاله باستقبال الوفود وطواف المشركين بالبيت عراة..

فتحصل أن النبي صلى الله عليه وسلم ما حج على التراخي، والحج ليس وجوبه على التراخي فكل من استطاع إليه سبيلا فقد وجب عليه.

وقولهم (صح بالحرام وعصى) مصادم لقوله صلى الله عليه وسلم (ولايقبل الله إلا طيبا)

ويفضل أصحابنا الإفراد على التمتع والقران تحكما بغير دليل، ذلك أن الأنساك كلها في الفضل سواء، أو قل أفضلها أيسرها.

 

21ـ عورة الأمة

لقد دأب الفقهاء في هذه البلاد على القول بأن عورة الأمة ما بين سرتها وركبتها تماما كعورة الرجل، وهذا هو الذي نجده في فروع المذهب المالكي، ففي مختصر خليل (وهي من رجل وأمة ولو بشائبة وحرة مع امرأة ما بين سرة وركبة).

والواقع أننا نقرأ في التنزيل قوله جل في علاه ( يا أيها النبي قل لأزواجك وبناتك ونساء المؤمنين يدنين عليهن من جلابيبهن)

ومعلوم أن الأمة المسلمة داخلة في هذا العموم فهي من نساء المؤمنين، فهل لهذا النص من تقييد أوتخصيص أو نسخ؟.

لا نجد ذلك, وفي الأثرعن عائشة (لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار)

والحائض هنا بمعنى البالغ، ومعلوم أن الأمة المسلمة تحيض, فهي بذلك داخلة في هذا العموم.

واضح – والحالة هذه – بأن القول بأن عورة الأمة كعورة الرجل مصادم لنصوص القرآن والسنة، والفرع إذا عاد على الأصل بالبطلان سقط الفرع.

ويبدو أن هذا أمر سكت عليه العلماء أو اضطربت أقوالهم فيه عندما اصطدمت العادة بالشرع، ففي بداية المجتهد لابن رشد : (وكان الحسن البصري يوجب عليها الخمار- يعني الأمة -).

وفي نيل الأوطار للإمام الشوكاني يقول بالحرف: (إن الإمام مالكا لا يفرق بين عورة الأمة وعورة الحرة).

وفي إعلام الموقعين يقول ابن القيم: (وأما تحريم النظر إلى العجوز الحرة الشوهاء القبيحة وإباحته للأمة البارعة الجمال فكذب على الشارع فأين حرم الله هذا ؟ وأين أباح هذا؟

ويضيف ابن القيم: هذا غلط محض على الشريعة).

وإياك أن تلتفت لما روي من أن عمر كان يأمر الجواري بكشف رؤوسهن, فهذا – إن ثبت عنه – فإنما هو اجتهاد وليس دليلا يعتمد في الأحكام, وكم رجع الفاروق رضوان الله عليه عن اجتهاد بان له عدم صوابه.

 

22ـ محلل السباق

شاع في بلادنا ما يسمونه بمحلل السباق، بحيث يدخلون متسابقا من خارج إن سبق أخذ وإن سبق لم يعط شيئا، ويستدلون بحديث مرفوع في الباب وبما ذكره ابن جزي في قوانينه.

ونقول وبالله التوفيق: إنه قول باطل ولا حجة فيه، فقد قال ابن عبد البر في الاستذكار كتاب الجهاد: وذكر مالك عن يحي ابن سعيد أنه سمع سعيد ابن المسيب يقول: (ليس برهان الخيل بأس إذا دخل فيها محلل فإن سبق أخذ وإن سبق لم يكن عليه شيء)

قال ابن عبد البر: أنكر مالك قول سعيد هذا ولم يعرف المحلل.

وفي فتاوى شيخ الإسلام قال: وحديث محلل السباق حديث باطل ولا وجود له في الكتب المعتمدة، ومن رواه مرفوعا فقد غلط فهو من كلام سعيد بن المسيب، هكذا رواه الثقاة عن الزهري عن سعيد.

والمحققون يعلمون أن هذا ليس من كلام النبي صلوات الله وسلامه عليه، ولا أصل له ولا فصل.

 

23ـ البلوغ بالسن

وكل تكليف بشرط العقل

مع البلوغ بدم أو حمل

أو بمني أو بإنبات الشعر

أو بثمان عشرة حولا ظهر

هذان البيتان لأبي محمد عبد الواحد بن عاشر، من نظمه المسمى بالمرشد المعين على الضروري من علوم الدين.

وهذا هو المشهور عند أهل هذه البلاد، فالبلوغ بالسن عندهم يكون بثمان عشرة، وهذه هي رواية ابن القاسم عن مالك.

ونحن نقول لك: إنه نقل غير صحيح، فالصحيح ما رواه عنه ابن وهب من أنها خمسة عشر، وهذا هو الذي تؤيده النصوص الصحيحة الصريحة، فقد أخرج البخاري ومسلم من حديث نافع قال «حدثني ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم عرضه يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة قال: فلم يجزني، ثم عرضني يوم الخندق وأنا ابن خمسة عشر سنة فأجازني».

قال نافع: فقدمت على عمر بن عبد العزيز، وهو خليفة فحدثته بهذا الحديث فقال: إن هذا لحد بين الصغير والكبير، وكتب إلى عماله أن يفرضوا لمن بلغ خمسة عشر.

وزاد مسلم في روايته: ومن كان دون ذلك فاجعلوه في العيال.

وقوله: يفرضوا لهم، أي يجعلوا لهم رواتب معلومة كرواتب الجند.

وأخرجه عبد الرزاق عن ابن جريج، وهو أيضا في صحيح ابن حبان بزيادة: ولم يرني قد بلغت.

قال الحافظ في الفتح: وهي زيادة صحيحة لا مطعن فيها لجلالة ابن جريج.

لذلك قال النووي في شرح مسلم: هذا دليل لتحديد البلوغ بخمسة عشر سنة، فمتى استكمل خمسة عشر سنة يصير مكلفا وإن لم يحتلم، وتجري عليه الأحكام في العبادات وغيرها.

 

24ـ الكفاءة بالنسب

من الأخطاء الشائعة قولهم بوجود واعتبار الكفاءة بالنسب في الأنكحة، ويا طالما رأينا القضاة والفقهاء في موريتانيا يفرقون بين المرء وزوجه بحجة عدم الكفاءة، وهذه مسألة مصادمة لنصوص الكتاب والسنة، فالله سبحانه وتعالى يقول: (إن أكرمكم عند الله أتقاكم)

والرسول عليه الصلاة والسلام يقول كما عند مسلم وغيره: (من أبطأ به عمله لم يسرع به نسبه).

ويقول صلوات الله وسلامه عليه كما في الصحيح: (لا فضل لعربي على عجمي إلا بالتقوى).

وصح عنه صلوات الله وسلامه عليه قوله (المسلمون تتكافأ دماؤهم ويسعى في ذمتهم أدناهم).

وبالرجوع إلى السنة الفعلية نجده صلوات الله وسلامه عليه قد زوج بلالا من أخت عبد الرحمن بن عوف، وزوج زيد بن حارثة من زينب بنت جحش، وابنه أسامة تزوج فاطمة بنت قيس، وتزوج سالم هند بنت الوليد بن عتبة وتزوج المقداد ضباعة بنت الزبير بن عبد المطلب.

والكفاءة بالنسب أيها العزيز، إنما هي نتاج التراكمات الاجتماعية والتقاليد البدائية البدوية المتخلفة.

وإن تعجب فعجب كيف يحكم فقهاؤنا خليل ابن إسحاق ويجعلون مختصره قرآنا وفيصلا يتلى، ويقيدون به مطلق النصوص ويخصصون عامها وينسخون محكمها… ثم إذا قال خليل: (الكفاءة الدين والحال) حاصوا حيصة الحمر الوحشية!.

 

25ـ علاج الزوجة

يقول فقهاء المذهب إن الزوج غير ملزم بعلاج زوجته شرعا, فعلى أهلها تحمل نفقات العلاج في حالة المرض!

وهذا أمر مستهجن ومخالف لقوله جل في علاه (وعاشروهن بالمعروف) بل لا تكاد تجد ذكرا للمرأة في القرآن إلا وهو مقرون بالمعروف، ولو أن أصحابنا قالوا لا يجب على الرجل علاج نفسه مثلا, لسكتنا لأن المسألة خلافية، أما أن يعالج الرجل نفسه ويترك زوجته ملقاة على السرير أو الحصير فهذا – وإن كثر قائله ـ لا دليل عليه من جهة الأثر، وهو قبيح من جهة النظر.

26ـ المعتقة والسوداء

لايتفق المالكية على رأي أو قول محدد في الولاية، فعبد الرحمن ابن القاسم العتقي يقول: إن الولاية في النكاح ليست واجبة، ولا هي من شروطه ولا من أركانه بل هي مستحبة فقط.

قال الإمام ابن عبد البر في الاستذكار (.. وأما رواية ابن القاسم وما كان مثلها عن مالك فهو نحو قول أبي حنيفة والكوفيين …)

وقال ابن رشد الحفيد في بداية المجتهد (لم تأت آية ولا سنة هي ظاهرة في اشتراط الولي في النكاح فضلا عن أن يكون في ذلك نص…

وأما المرأة تجعل عقد نكاحها إلى رجل ليس بولي لها فيعقد نكاحها، فقال ابن عبد البر

(اختلف مالك وأصحابه في ذلك، ففي المدونة قال ابن القاسم: وقف فيها مالك ولم يجبني عنها ….)

وقال ابن خويزمنداد (اختلفت الرواية عن مالك في الأولياء، فقال مرة كل من وضع المرأة في منصب حسن فهو وليها سواء كان من العصبة أو من ذوي الأرحام أوالأجانب …)

وكنت قد بينت في مناسبات سابقة خلاف المالكية في ذلك، وكان لي مع المعنيين نقاش وجدل طويل، جلدت فيه ظهورهم بسياط الأدلة، وحلقت ذقونهم بمواسي البراهين، والذي يهمني هنا أنهم يميزون بين نوعين من النساء:

1- (شريفة لها في الناس حال): فهذه لا تتزوج عندهم إلا بولي، ولا يتزوجها إلا كفؤ لها!.

2- (دنيئة ليس لها في الناس حال): وهذه تتزوج بلا ولي، ولا تشترط لها الكفاءة (لأن كل واحد كفؤ لها!)

ويقولون: إن الدنيئة هي السوداء والمعتقة! …

فهل يعتبر سواد اللون عندهم دناءة؟

هل كل من اسود لونه يكون دنيئا في المذهب؟

راجعوا الجامع لأحكام القرآن للقرطبي. ج 3. ص 467 . نشر: وزارة الأوقاف القطرية.

وراجعوا الإشراف لابن المنذر. ج4 .ص 34 .

إنهم ليقولون قولا عظيما! قول مردود شرعا ومستهجن طبعا، وقد أصاب ابن المنذر عندما قال في الإشراف بأن هذا التفريق حرام لا يجوز.

وهنا يكون فقهاء المذهب قد سبقوا يانسميس وأصحاب الفصل العنصري بقرون وقرون.

ولو اطلع مارتن لوثر كينج ومالكوم أكس ونلسون منديلا..على هذا الفصل لكانوا قد بدؤوا نضالهم ضد التمييز العرقي من هنا.

 

27ـ تيمم العروس

من الفتاوي المغلوطة الرائجة المنتشرة بين الناس في موريتانيا وخاصة في صفوف النساء، قولهم إن العروس يرخص لها في التيمم، حفاظا على ما في جسدها من طيب بدل الغسل الواجب عليها!

يقول الشيخ محمد الأمجد ولد أبي المعالي ناظما:

بناني حيث موجب الغسل عرى

بعرسك التي تزين الشعرا

ليس عليها غسل رأسها لما

في ذاك من إتلاف مال علما

بل مسحها عليه يكفي وحكى

إمامنا الحطاب وافر الذكا:

الطيب إن في جسد العرس غدا

كلا فلا تغسل ذاك الجسدا

بل حكمها إذ ذلك التيمم

للعلة التي لها تقدم

وفي الدسوقي كل ذا المسوق

ونعم ما ذكره الدسوقي

وللشيخ محمد عالي ولد عدود:

إذا العروس ازينت بطيب

يعم كل الجسد الرطيب

تيممت سبعا لصون ما ب

جسدها وانظره في الحطاب

ونحن نقول لك: إن هذا كلام باطل ونسبته للحطاب خطأ، فالحطاب إنما نقله عن أبي عمران الفاسي بواسطة (المسائل الملقوطة) وكان الحطاب حريصا على التحذير منه واعتبره مخالفا للمذهب.

وأنت إذا تصفحت مواهب الجليل للإمام الحطاب، تجده يقول عند شرحه لقول خليل (ولا ينقض شعره رجل ولا امرأة).

(قال في المسائل الملقوطة: قال الشيخ أبو عمران الفاسي: وأرخص للعروس أيام أسبوعها أن تمسح في الوضوء والغسل على ما في رأسها من الطيب، وتتيمم إن كان بجسدها، لأن إزالته من إضاعة المال انتهى… وهذا خلاف المعروف من المذهب).

فأنت ترى والحالة هذه أن عزوه للحطاب غلط.

وهب أن الحطاب أفتى به، فأين الدليل؟

ولا قوة لما نقله البناني أو الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير للدردير، عن ابن بطال من أن بعض التابعين أجازه…

فكل ذلك منعدم من جهة الأثر، ثم إنه ضعيف جدا وساقط من جهة النظر، فالحذر الحذر.

 

28ـ الأقراط

من الغريب أن يفتي بعض فقهاء المذهب بحرمة أو كراهة لبس النساء للأقراط.

فقد نقله الأجهوري عن المواق قائلا: ومما عمت به البلوى ثقب الأذنين للأقراط وقد بالغ الغزالي وغيره في إنكاره، وتجده أيضا في مفيد العباد للشيخ أحمد بن البشير القلاوي.

وللشيخ حبيب ولد الزايد:

كره ثقب الأذنين للحلى

جمهور أهل العلم كرها مسجلا

وكره الغزالي في الإحياء

تثقيب الاذان من النساء

وباختصار فكل هذا لا صحة له وهو خطأ مبين، فلا حرمة ولا كراهة في لبس النساء للأقراط والأخراص في آذانهن، ففي الصحيحين من حديث جابر (قال شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاة يوم العيد فبدأ بالصلاة قبل الخطبة بغير أذان ولا إقامة ثم قام متوكأ على بلال فأمر بتقوى الله وطاعته ووعظ الناس وذكرهم فمضى حتى النساء فوعظهن وذكرهن وقال: تصدقن فإن أكثركن حطب جهنم فقامت امرأة من سطة النساء سفعاء الخدين وقالت: لم يا رسول الله؟ قال لأنكن تكثرن الشكاة وتكفرن العشير.

قال: فجعلن يتصدقن من حليهن يلقين في ثوب بلال من أقرطتهن وخواتمهن).

فأنت ترى الصحابيات الجليلات يلبسن الأقرطة “البدلات” وخاتم المرسلين يرى ولا ينكر.

ثم إن حديث أم زرع مشهور والنبي صلوات الله وسلامه عليه يقول لها (كنت لك كأبي زرع مع أم زرع).

مع أنها تقول: (وأناس من حلي أذني) أي ملأها بالحلي حتى ناس أي تحرك.

 

29ـ لحم الضبع

ليس لحم الضبع من المحرمات في مشهور المذهب المالكي، وإنما هو من المأكولات!

ولعل أصل هذا القول الشنيع، ما رواه بعض أهل السنن من أن عبد الرحمن بن أبي عمار (سأل جابر ابن عبد الله عن الضبع أصيد هي؟ قال نعم فقال أسمعت ذلك من رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال نعم).

وهذا الحديث انفرد به عبد الرحمن بن أبي عمار قال ابن عبد البر: ليس بمشهور بنقل العلم وليس ممن يحتج به خاصة إذا خالفه من هو أثبت منه.

فهذا الحديث لا صحة له وقد جاء في الصحيحين من حديث أبي ثعلبة الخشني (أن النبي صلوات الله وسلامه عليه نهى عن أكل كل ذي ناب من السباع).

وهذا نص قطعي الدلالة والثبوت.

 

30ـ تشميت العاطس

دأب أهل الفروع هنا على القول بأنه لا يجوز تشميت العاطسة إذا لم تكن محرما، وأنها لا تصلي وراء الرجل إذا لم يكن محرما لها, وأن السلام على الشابات غير جائز.

إلى غير ذلك من التخرص والكذب على الشريعة، فناظمهم يقول:

وشمتن لعاطس إلا التي

نفس المشمت إليها حنت

وهذه ترهات وتطاول على الشرع، لأن النبي صلوات الله وسلامه عليه أمر بتشميت العاطس.

ففي الصحيحين من حديث البراء بن عازب (قال أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بسبع: أمرنا بعيادة المريض واتباع الجنائز وتشميت العاطس وإبراء القسم ونصر المظلوم وإجابة الداعي وإفشاء السلام…).

والتشميت فرض كفاية على القول المشهور, ويستثنى من الأمر بالتشميت:

– من لم يحمد الله لما أخرجه مسلم من حديث أبي موسى الأشعري قال عليه الصلاة والسلام: (إذا عطس أحدكم فحمد الله فشمتوه فإن لم يحمد الله فلا تشمتوه).

– ويستثنى غير المسلم لما في الصحيح من (أن اليهود كانوا يتعاطسون عنده ليترحم عليهم فلا يترحم وإنما يقول: يهديكم الله ويصلح بالكم).

وكذلك من تكرر عطاسه.

وعليه فالشابة وغير الشابة يسلم عليها ويرد عليها السلام, وتشمت وتصلي خلف الرجل.

ومن العجيب أنهم يسمحون لها بالخلوة بالأجنبي، ويتساهلون في المغازلات والعراك ومقدمات الفواحش لكن إذا تعلق الأمر بالتشميت أو الصلاة جماعة ثارت ثائرتهم وخرج الفقهاء عن صمتهم فيا للعجب.

وفي نفس السياق، يجب أن تعلم أن ما شاع عندهم من كراهة السلام على الملبي والمؤذن والآكل والشارب، وقارئ القرآن والمبتدع ولاعب الشطرنج وغيرهم مما قد تجده عند الجزولي وفي المسائل الملقوطة وفي المدخل، كل ذلك باطل لا صحة له ولا يعرج عليه، فالكراهة حكم شرعي لا يثبت إلا بدليل شرعي.

 

31ـ تبراك اشهود

من الفتاوى الشنيعة الرائجة في موريتانيا ما يسمى (بتبراك اشهود) وهو أن يقوم أحدهم بإشهاد رجلين على أن زوجته لا تطلق منه أبدا مهما كان، يعني مهما قال ومهما فعل.

ويمضي الرجل يطلق يمينا وشمالا ثم يراجع حسب هواه، مدعيا أن زوجته (ماتمرك الركبه) أي لا يقع عليها الطلاق.

إنها عملية شيطانية مكذوبة على الشرع ولا أساس لها من الصحة, ولعل أصلها ما يسمونه بالاسترعاء، وقد أجاز المالكيّة القضاء بشهادة الاسترعاء في بعض التّصرّفات الّتي يقوم بها الإنسان اضطراراً.

وشرط الاسترعاء عندهم تقدمه على الفعل، وتجزئ فيه شهادة شاهدين وكلما كان الشهود أكثر كان أفضل، واشترط ابن الماجشون أربعة شهود‏.‏

هذا هو أصل الحكاية.

وما كنا لنناقش مبدأ الاسترعاء واختلاف العلماء فيه وهل له من أصل أصلا، لكننا نقول جازمين: إن الاسترعاء كما هو مبسوط في الفروع وكما هو موصوف ومشروط لا يتحقق أبدا في هذا الذي يسمونه تبراك اشهود، فهذا سفاح يتستر أهله وراء مصطلحات مكذوبة فأين الخوف وأين الاضطرار؟

ويبدو أنها مصيبة قديمة، ففي نظمه المسمى بوطليحية يقول النابغة القلاوي منددا بهذه الظاهرة الشنيعة:

وقول بعض الأغبيا أم العيال

ليس تطلق من أضعف المقال

إذ ذاك تخصيص من الشيطان

لسنة الرسول والقرآن

لكونه رأيا وليس حكما

فخل قائليه صما بكما

وليس هذا من أضعف المقال, بل هو من أقبح وأشنع المقال.

 

32ـ تخصيص القرآن بالرأي

يعرف التخصيص عند أهل الأصول بأنه قصر العام على بعض أفراده بدليل، في حين أن التقييد هو اللفظ الدال على الحقيقة بقيد، أما النسخ فهو رفع لحكم شرعي بدليل شرعي متأخر عنه، وكل ذلك لا يكون إلا بنصوص محكمة قطعية الدلالة والثبوت.

وعند تفسيره لقوله تعالى : (والوالدات يرضعن أولادهن حولين كاملين لمن أراد أن يتم الرضاعة)

يقول ابن العربي المالكي في أحكام القرآن (ولمالك في الشريفة رأي خصص به الآية، فقال إنها لا ترضع إذا كانت شريفة)

فانظر أعزك الله كيف يخصص العام من النصوص بالرأي!

33ـ خيار المجلس

جاء في الصحيحين عن رسول الله صلى الله عليه وسلم قوله (البيعان بالخيار ما لم يتفرقا)

وخالف المالكية في هذه المسألة، وقالوا بعدم خيار المجلس فالبيع عندهم يتم بمجرد الإيجاب والقبول تماما مثل النكاح، واعتبروا أن المقصود ليس افتراق الأبدان وإنما تفرق الأقوال، وأن مدة المجلس مجهولة…

وهي حجج باطلة مردودة على قائلها, فالحديث صحيح صريح.

 

34ـ شبه العمد

بين القرآن الكريم نوعين من القتل هما العمد والخطأ، ثم بين رسول الله صلى الله عليه وسلم نوعا ثالثا من أنواع القتل هو شبه العمد، فقال في الحديث المتفق عليه (ألا إن قتل الخطإ شبه العمد ما قتل بالسوط والعصى وفيه مائة من الإبل)

وقال أصحابنا إنه لا وجود لشيء اسمه شبه العمد!

 

35ـ حديث العاض

ثبت في الصحيح من حديث عمران ابن حصين ويعلى بن أمية (أن رجلا عض يد رجل فنزع يده فوقعت ثنيتاه، فاختصموا إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه فقال للرجل: يعض أحدكم يد أخيه كما يعض الفحل، لا دية لك )

وقال أصحابنا فيه الضمان!

36ـ حديث المدري

جاء في الصحيح من حديث سهل بن سعد وأنس وغيرهما (أن رجلا اطلع في جحر في الباب ومع النبي صلى الله عليه وسلم مدري يرجل به رأسه فقال: لو أعلم أنك تنظر لطعنت به في عينك, إنما جعل الإذن من أجل النظر)

وفي الصحيح كذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم (لو أن رجلا اطلع عليك بغير أذن فحذفته بحصاة ففقأت عينه ما كان عليك جناح)

لكن المالكية ردوا هذه الأحاديث الصحيحة، وقابلوها بتأويلات باطلة من نحو قولهم: إن المعاصي لا تدفع بمثلها، وكأنهم أعلم من صاحب الإسراء والمعراج.

 

37ـ زواج المعتدة

(وتأبد تحريمها بوطء).

هكذا قال خليل بن إسحاق في مختصره عن المنكوحة في العدة، وبهذا سارت الفتوى في هذه الربوع.

والذي يجب أن يعلم أنه كلام غير صحيح، فجمهور العلماء بمن فيهم أصحاب المذاهب الثلاثة على عدم التحريم، وبه قال المحققون من المالكية كابن عبد البر والقرطبي والجلاب مثالا لا حصرا،وذلك أن الله سبحانه وتعالى ذكر المحرمات في القرآن ثم زادت السنة محرمات أخرى، ولم ينص على تأبيد تحريم المنكوحة في العدة فظلت داخلة في عموم قوله تعالى (وأحل لكم ما وراء ذلكم)

فتحريمها إذا والحالة هذه على التأبيد غير صحيح.

وروى ابن المبارك بسنده عن مسروق، قال: تزوج ثقفي من قرشية في عدتها ففرق بينهما عمر وعاقبهما وحرمها عليه على التأبيد…

وعمر وإن كان قد أفتى بالتحريم، إلا أنه رجع عنه بعد أن عارضه مجموع الصحابة وخاصة علي، وقالوا: يفرق بينهما ولها صداقها وتكمل عدتها من الأول، وتستأنف العدة من الثاني، وبعد ذلك يعود خاطبا كجميع الخطاب…

ويبدوا أن عمر قد استند إلى قاعدة المعاملة بنقيض القصد الفاسد، وهي وإن كانت صحيحة إلا أنها لا تهدم الأصل الذي هو الإباحة، فلا بد من نص فحرمان القاتل من الإرث مثلا ليس دليله قاعدة من تعجل الشيء قبل أوانه قوبل بحرمانه، وإنما الحديث الصحيح: لا يرث القاتل.

والجصاص يقول: لا خلاف في أن من زنى بامرأة فإنها لا تحرم عليه، والزنا أعظم من النكاح في العدة، فإذا لم يحرمها الزنا فالأحرى أن لا يحرمها الزواج في العدة.

وعموما فالقول بالتحريم قول في مذهب مالك، وهو قول مرجوح.

 

عزيزي القارئ

هذا تحليق بانورامي أردت من خلاله تبيان موضع الداء ومكامن الخلل، وما كتبت – إذ كتبت – سعيا لزعزعة استقرار أهل المذهب أو تشويشا على (الجمهور) وإنما هي تنبيهات أراها من صميم الدين، ولا تزر وازرة وزر أخرى، وامرؤ حجيج نفسه، لكن الحق أحق أن يتبع وربنا جل في علاه لا يستحيي من الحق.

ومن الحق أن نقول: إن المذهب المالكي قد بدأ مبكرا ينحرف عن الدليل مكتفيا بالمقايسات وأقوال الرجال، لذلك تجد ابن عبد البر في جامع بيان العلم وفضله يأسف لتلك الحالة، واصفا فقهاء المذهب في زمانه بأنهم (لا يقيمون للقول علة بل حسب أحدهم أن يقول فيها رواية لفلان ورواية لفلان)

ولمنذر بن أبي سعيد يشكو ما آلت إليه الأمور:

عذيري من قوم يقولون كلما

طلبت دليلا هكذا قال مالك

فإن عدت قالوا قال أشهب هكذا

وقد كان لا تخفى عليه المسالك

فإن زدت قالوا قال سحنون مثله

ومن لم يقل ما قاله فهو آفك

فإن قلت قال الله ضجوا وأكثروا

وقالوا جميعا أنت قرن مماحك

ويقول منصور الفقيه مصورا حالة المذهب في زمانه:

خالفوني وأنكروا ما أقول

قلت لا تعجلوا فإني سؤول

ما تقولون في الكتاب فقلنا

هو نور على الصواب دليل

وكذا سنة الرسول وقد أفـ

ـلح من قال ما يقول الرسول

واتفاق الجميع أصل وما تنـ

ـكر هذا وذا وذاك العقول

وكذا الحكم بالقياس فقلنا

من جميل الرجال يأتي الجميل

فتعالوا نرد من كل قول

ما نفى الأصل أو نفته الأصول

فأجابوا فناظروا فإذا الـعلـ

ـم لديهم هو اليسير القليل

ونرى حافظ المذهب ابن رشد يحذر من حالتهم هكذا, بأنه لا يحق لهم الإفتاء ولا القضاء إذ لا علم عنده بصحة شيء من ذلك.

وروى الإمام ابن عبد البر وغيره عن الليث بن سعد قوله: (أحصيت على مالك بن أنس سبعين مسألة كلها مخالفة لسنة النبي صلوات الله وسلامه عليه مما قال فيها مالك برأيه، قال ولقد كتبت إليه أعظه في ذلك.)

وروى ابن مسلمة القعنبي قال: (دخلت على مالك بن أنس فوجدته يبكي فسألته لمه؟ فقال إنا لله يابن قعنب لما فرط مني ليتني جلدت بكل كلمة تكلمت بها في هذا الأمر بسوط ولم يكن فرط مني ما فرط من الرأي في هذه المسائل وقد كان لي سعة فيما سبقت إليه.)

وفي الاعتصام يقول الإمام الشاطبي (وقد زل بسبب الإعراض عن الدليل والاعتماد على الرجال أقوام خرجوا بذلك عن جادة الصحابة والتابعين واتبعوا أهواءهم بغير علم فضلوا عن سواء السبيل).

وقد تفاقم الأمر واستفحل الداء بعد الإمام الشاطبي، وانحسر البحث وركنوا إلى مشهور المذهب.

وزعموا أن كل مجتهد مصيب، وأوجبوا تقليد المذاهب ومنعوا التبصر والنظر حتى سمعنا الصاوي يقول في حاشيته على الجلالين عند تفسير فواتح سورة الكهف ( ولا يجوز تقليد ما عدا المذاهب الأربعة، ولو وافق قول الصحابة والحديث الصحيح والآية، فالخارج عن المذاهب ألأربعة ضال مضل، وربما أداه ذلك للكفر، لأن الأخذ بظواهر الكتاب والسنة من أصول الكفر)

فانظر أعزك الله إلى هذا الغباء!.

إنها مؤامرة على السنة وعدوان على الدين, وتلبيس على البصائر والعقول.

ولكي يبقى الإنسان مدجنا يدور في حلقة مفرغة، فقد أغفلوا الإتباع وقسموا الناس إلى مجتهد ومقلد، وكل هذا من التخرص والجهل المبين، إذ المطلوب من المكلف إنما هو الإتباع ليس إلا.

وهذا المشهور عندهم يقوم على جملة من المسلمات، منها أن قول الإمام مالك في المدونة مقدم على غيره بل ذهبوا – يقول الشيخ بداه بن البوصيري – أبعد من ذلك حيث قالوا إن مجرد وجود القول في المدونة مرجح له حتى ولو خالف الكتاب والسنة.

وسيتملكك العجب إذا علمت بأن مالكية هذه الربوع ليست مأخوذة من موطأ مالك.

وفي العارضة يقول ابن العربي: (مذهب مالك المعول عليه ما في موطئه أقرأه عمره كله فما قال لصاحب أو أجاب به سائلا لا يعارض ما أقرأه ليله ونهاره وعمره كله ورواه عنه ألف رجل أو يزيد…).

والحق أن تقديم المدونة على الموطأ أمر عجيب, يقول المختار ولد حامد:

وقولهم تقدم المدونه

عليه قول ما عليه بينه

ثم انتهى بهم المطاف إلى جعل مختصر خليل نصا معصوما، ينسخ به المحكم من الكتاب والسنة،ويقيد به المطلق ويخصص به العام.

يقول أحدهم مفتخرا:

قبضت على ديني بنص خليلي

وإن لامني في ذاك كل خليل

وإن سألوني عن دليلي وحجتي

أقول خليل حجتي ودليلي

وإن تعجب فعجب كيف أصبح نص خليل مقدما على الصحيحين، ورواية ابن القاسم عن مالك مقدمة على رواية الصحابي الجليل عن خاتم المرسلين.

إن هذا الخبط وهذا الخلط هو ما جعل الشيخ سيد المختار الكنتي يقرر:

وإن تبتغي إتقان مذهب مالك

فنص الموطا حققنه وانتسب

ومن بعده جاءت فروع كثيرة

وأتقنها اختصار نجل الذي حجب

وأنفعهـا نـــص الرسالة قبله

ونــص خـليل جاء بالدر والخشب

يعني أن المالكية إنما تؤخذ من الموطأ, وأن مختصر خليل ابن إسحاق تضمن أشياء كثيرة غير صحيحة.

وإلى هذا أشار غير واحد من العلماء، فالمختصر على نفاسته وسعة علم صاحبه فيه أمور مصادمة للسنن الصحاح.

يقول الشيخ أبو مدين:

ما كل ما قال أبو المودة

يكون راجحا لدى الأئمة

فاحذر من القول به قبل نظر

ما في الشروح والحواشي والطرر

وللنابغة الغلاوي:

وبعضهم يقدح في الحــكم إذا

لم يك من نـص خليل أخذا

وذاك مـــن قصـــوره وجهله

وقلة العلــــم بمــوت أهله

إذ ليـس من قوادح الدليــــل

أن لا يكــــون الحكم في خليل

وقد تمسك بعض القاصرين المقصرين بمقولة سفيان بن عيينة: الحديث مضلة إلا للفقهاء، فتمترسوا خلفها جهلا وقصورا منهم وجريا وراء العادة والتقليد الببغاوي، وفي هذا السياق يقول الشيخ محمد فال ولد بابا واضعا الأمور في نصابها:

وقولة سفيان الحديث مضلة

لغير فقيه الاجتهاد من اهله

مقالة حق وهي في حق قاصر

يحل صريح اللفظ غير محله

ولم يدر ما منسوخه وضعيفه

ويخطئ في وضع الحديث وحمله

ولســـت بناف الفـرع أصلا وإنما

أمرت بأخذ الفرع وصلا بأصله…

لكن إذا كان التعصب والتقوقع في السراديب ودفن الرؤوس في الرمال، قد أودى بكثير من الناس في هذه الأرض السائبة، فإنها ما خلت يوما من التبصر فهنا عاش رجال ناضلوا وحاربوا من أجل السنة، ورفعوا رايات الدليل ونبذوا التعصب ونصروا وانتصروا للقرآن والسنة، وسلطوا الأضواء على الانحراف والخطل أذكر منهم مثالا لا حصرا:

بابا ولد الشيخ سيديا – محمد ولد أبي مدين – محمد عبد الله ولد محمد آسكر-محمذن ولد بابكر ولد احميد – محمد بدر الدين ولد عمار – آبه ولد اخطور- بداه ولد البصيري……

لقد كسر هؤلاء المشايخ وأمثالهم الجمود وأزاحوا الحواجز الوهمية وحطموا القوالب الجاهزة والترهات الخاطئة، واقفين ضد بدع التصوف وأخطاء المذاهب، وبدع وتكلف المتأولين من المتكلمين وغيرهم وقدموا جزاهم الله خيرا فقها صريحا صحيحا.

فلهم مني تحية إجلال وإكبار.

لكن أهل البدع قد انتعشوا في هذا الزمان، وراجت بضاعتهم في هذا المكان، وأطل أهل الفروع برؤوسهم وأخذوا معاولهم لهدم السنة، وانتشى ضلال الطرق الصوفية، وعاد الباطل يزحف في مد مخيف مستعينا بالأنظمة السياسية، فتحالف جهلة الحكام الفاسقين الراشين مع فسقة الفقهاء المرتشين المنتفعين، وأصبح المجتمع المدني حاضنا لأهل البدع والأهواء وأصبح لكل بدعة قناتها وبرامجها، وللأضرحة أعيادها ومواسمها فديست السنن بالأقدام وتم وأد الدليل.

ولاشك أن من ابتلي بهذه البدع وسار وراءها, فقد أهانه الله وخذله وكشف عورته وأبدى سوأته في العاجل، وله عند الله سوء المنقلب في الآجل.

والسلام عليكم ورحمة الله تعالى وبركاته.

نواكشوط 13 جمادى 1443- 26 يناير2021

محمد الأمين الشاه إمام مسجد الخيف-تيارت نواكشوط – موريتانيا