ولد عبد العزيز يحكي عنه ورفيقه.. وعن قصة الانقلاب

جمعة, 12/13/2019 - 16:11

خرجت من حصة التاريخ والجغرافيا "المملٌة" في قسمي 6A5 بالثانوية العربية، زوال ذلك اليوم لأرافق زميلي و صديقي محمد مختار ولد محمد محمود إلى مدرسة الشرطة حيث كان عليه أن يجتاز مقابلة نهائية مع اللجنة المكلفة باختيار شرطة الإمارات ...سرنا مع الشارع المحاذي لسفارة فرنسا والمتجه إلى تفرغ زينه ، وعند وصولنا لدار أحمد ولد مگيه - الاستخبارات الخارجية حاليا - عرجنا إلى حانوت صغير ملحق بها لشراء لفافتي "مارلبورو". لفت انتباهنا صوت المذياع الموضوع على ثلاجة غير بعيد من مدخل الحانوت ، كان المذيع يترنح في قراءة "البيان رقم1" :"لقد أنهت اللجنة العسكرية للخلاص الوطني برئاسة العقيد معاوية ولد سيد احمد ولد الطايع نظام الاستبداد وحكم الفرد..." سألنا صاحب الحانوت هل وقع انقلاب اليوم ، فرد علينا غاضبا "أشغاديلي آن فلنقلابات ؟! أوحلو فشي يعنيكم !!"

انتابنا شعور بالدهشة والاستغراب والسخرية من رد صاحب الحانوت، وواصلنا السير وكان كل واحد منا يعرض على الآخر تحليله للأمور ورؤيته للحدث...ما إن وصلنا مشارف الملعب الأولمبي حتى أغلقت الطريق أمامنا دورية من الدرك الوطني ...أمرونا بالعودة ، رأينا جموع الشباب المترشحين لشرطة الإمارات تملأ الشارع قادمة من الاتجاه المقابل ، بعد أن تم إخلاء مدرسة الشرطة ..مرت لحظات قليلة قبل أن نعود أدراجنا مختلطين. بتلك الجموع ...تشكلت مجموعات صغيرة نسبيا داخل تلك الجموع تناقش جميعها نفس الموضوع - الانقلاب - وتتبادل أخباره ومستجداته، ومن الطريف أنه كان في مجموعتنا شاب يتظاهر بالثقافة والاطلاع ، وكان يقسم بالله - بصوت مرتفع للغاية - أن لا انقلاب ولا محاولة انقلاب ، وإنما هي فبركة يقوم بها بعض القادة العسكريين ، حتى يتمكنوا من "إدخال" أقاربهم ومعارفهم في شرطة الإمارات...كانت حجته في ذلك أن الانقلابات يستحيل وقوعها في وضح النهار أحرى وقت الزوال .وكان يعضد رأيه بأمثلة من الانقلابات الماضية التي وقعت إما ليلا أو فجرا ...صدٌقه بعض القوم لوجاهة حجته بالنسبة لهم...

تفرقت الجموع عند اقترابها من مركز المدينة ...كان كل شيىء قد بان واتضح ، لقد تمت الإطاحة بالرئيس محمد خونا ولد هيداله من طرف قائد أركان الجيش : العقيد معاويه ...لقد كانت الإذاعات الدولية (BBC, ،France - inter وصوت أمريكا..) تكرر ذلك الخبر في جميع نشراتها ..

في المساء انطلقت مسيرات عفوية في مختلف مقاطعات وأحياء نواكشوط ،فرحا بسقوط نظام كانت فترته الأخيرة فترة رهيبة بالمفهوم السياسي . كانت السجون تغص بالآلاف من الشباب ذوي الانتماء القومي العروبي ، يتعرضون فيها لأقسى وأبشع أنواع التعذيب والإذلال ...

كان ذلك اليوم بداية مرحلة جديدة من تاريخ الدولة الموريتانية الفتية .

لقد ظل يوم الثاني عشر من دجمبر لسنوات عديدة يوم عيد عظيم ..ألهم الشعراء فأنشدوا فيه أروع إبداعاتهم ، وسكب فيه الكتاب مكنون مدادهم مدحا وتمجيدا وغنى فيه الفنانون ملأ حناجرهم حماسا وطربا....لقد كانت احتفالاته أكبر وأهم بكثير من عيد الاستقلال الذي تحل ذكراه قبله بأسبوعين.

واليوم ...قليل من يتذكرون تلك الأيام وأقل منهم من تعني لهم شيئا..

من صفحة الناجي ولد عبد العزيز